«المقامات والمزارات الدينية« في بعلبك - الهرمل:

«منتدى للوحدة الوطنية ومساحة التقاء أممية«

 

 

 

 

كتب صبحي منذر ياغي:

 «مقامات الأولياء الصالحين والقديسين ومزاراتهم« صارت جزءاً من تراث ديني، ومن تقاليد شعبية تتوارثها الأجيال. «فالمزار «كان ولا يزال مكاناً لفكّ السحر والرصد، وللمعالجة والإستشفاء، لإستطلاع المستقبل وجلب الغائب، للصلوات والإبتهالات الدعوات للفرج عن ضيق، والخروج من الظلمة.

«المزارات الدينية والمقامات« لم يتمّ تحديد ماهيتها وحقيقتها تاريخياً، فتشابهت معها أسماء أصحابها، فباتت «مزارات النبي يوسف، واسماعيل، ويعقوب،« وغيرها من مزارات متعددة المكان، تماماً كمقام الإمام الحسين الموجود في غير منطقة وبلد، في مصر وسوريا ولبنان والعراق.

ثمة مزارات باتت أيضاً الجامع المشترك لطوائف عدة، والمقصد لمعظم الناس. فمار جرجس هو  «الخضر« عند المسلمين.

وفي البقاع عموماً ومنطقة بعلبك خصوصاً، تكثر هذه المزارات وتتعدد وتتنوع، حتى أن بعضها غير مؤرخ، ومشكوك فيه، إذ أن الكثير من القبور والضرائح المجهولة، حوّلتها المعتقدات الشعبية مزارات ومقامات.

أما المقامات والمزارات في منطقة - الهرمل فهي:

پ مقام النبي نعام:ء يقع إلى الشمال الشرقي من بعلبك، وهو بناء قديم، لا يعرف تاريخه في صورة دقيقة، ويسمى الحي بإسمه «حي النبي نعام«، وكانت لهذا المزار أهمية خاصة قبل عشرات الأعوام، إذ كانت تنظم فيه الإحتفالات السنوية لمدة سبعة أيام في ذكرى ميلاد النبي نعام، وذلك في أول خميس من شهر نيسان، وتقرأ خلال ذلك آيات قرآنية، وترفع الأهازيج، وتقام ليالي الذكر. وفي المناسبة كان الشعب يحتفل بـ «خميس الأموات«، و «خميس الجسد«، أو عيد الموتى، ولمدة سبعة أيام تزيّن المدينة، وتبدو بأبهى حللها.

 مقام مار جرجس:  وهو مزار في وسط الحي الذي يعرف بإسمه «حي مار جرجس«، ويضاء بالشموع، وقد علقت على أحد جدرانه لوحة رخامية لمار جرجس وهو يصرع التنين. ويقع المزار في بعلبك، قرب مدرسة راهبات القلبين الأقدسين في بعلبك. ولمار جرجس مقامه لدى المسلمين، إذ يطلقون عليه إسم «الخضر«، حتى أن كثيرين من الطائفة الشيعية في بعلبك يقدّمون النذور والشموع لهذا المقام.

 مقام النبي عز الدين:  يقع جنوب بعلبك، قرب محطة القطار القديمة، وسط بقعة مليئة بالأشجار المثمرة، إلى جانب الضريح مدافن للفلسطينيين الذين يقيمون في مخيم ويفل (مدخل بعلبك الجنوبي)، ويستخدم الفلسطينيون هذا المقام كمصلّى صيفي، وثمة تقليد لدى المسلمين أن تقدم إلى هذا المقام بعض النذور بإضاءة الضريح مساء كل جمعة.

 معبد البربارة (فينوس):ط بني إلى الجنوب الشرقي من قلعة بعلبك على مسافة 150 متراً منها، ويقال أن الرومان أقاموه لآلهة الحب فينوس، وحوّله المسيحيون كنيسة بإسم «القديسة بربارة« التي تعتبر شفيعة المدينة. وتقول المعتقدات الشعبية أن «بربارة« ولدت في بعلبك وعاشت فيها، لذا أقيمت تخليداً لها كنيسة البربارة عام 1830 في باحة مطرانية الروم الكاثوليك في المدينة على يد الأسقف أثناسيوس عبيد (من عكا). ولا يزال أهالي بعلبك يطلقون إلى اليوم إسم البربارة على معبد فينوس.

 مزار النبي نوح: يقع في بلدة الكرك (قضاء زحلة) له محراب وبابان قديمان، وتقول المعتقدات أنه مقام النبي نوح وبقربه قبر «حبلة« ابنته، لكن هذا القبر اندثر مع الزمن. طوله 42 متراً وعرضه 5،2 متران وهو موجود في ساحة البلدة، ويحدّه مسجد أثري بني من حجارة أبنية رومانية. وكان المزار في مثابة الحوزة العلمية التي تخرج منها عشرات العلماء ورجال الدين، وشكلت الكرك في الماضي استراحة للقوافل المقبلة والذاهبة من بر الشام وإليه، وأقيمت في مكان ليس ببعيد عنه كنيسة على إسم القديس أنطونيوس البادواني.

پ مزار النبي شيت:ا يقع في البلدة التي سميت بإسمه في منطقة بعلبك. وقد جار الزمن على هذا المقام، وبوشر العمل فيه أخيراً بطريقة هندسية مميزة، وبات بناؤه يضم مئذنتين وقبتين ومسجدين وقاعة للزوار. ويقصد مقام «النبي شيت« عدد كبير من الزوار ومن المناطق المختلفة.

 مغارة مار مارون:ت تقع في بلدة الهرمل، وهي محفورة في الصخر، وتتصل بنهر العاصي عبر دهليز، وهي المغارة التي يعتقد أن القديس مارون لجأ إليها. ترتفع المغارة، ومعها مغاور عدة، عن مجرى نهر العاصي حوالى مئة متر، وسميت المغاور بـ «قصور البناة«، أي أولئك الذين بنوا الحصون والقلاع وهياكل بعلبك وقناطر زنوبيا.

ودير مار مارون في الهرمل كناية عن دير منقوش بالصخر لجأ إليه القديس مارون بعد نزوحه عن بلاد أفاميا في سوريا.

 مزار سيدة بشوات:م يقع إلى الغرب من مدينة بعلبك على بعد 15 كلم في بلدة بشوات (دير الأحمر). يقصده السياح والزوار، وخصوصاً في عيد السيدة حيث تنظم الإحتفالات والقداديس. وهو مزار قديم يعود إلى العهود البيزنطية، أما الكنيسة الحديثة فقد بدأ العمل فيها عام 1932، وشهد هذا المزار منذ أعوام ظواهر عجائبية تجلت في شفاء زائريه من الأمراض والعاهات، وهو بات اليوم مقصداً للمؤمنين من الطوائف الإسلامية والمسيحية على السواء ومن أنحاء العالم المختلفة.

 مقام الست خولة:ن يقع في مدخل مدينة بعلبك الجنوبي وسط حديقة انتصبت فيها صنوبرة عجوز ترمي ظلالها على مقام صغير مربّع الشكل يرقد تحت قبته جثمان «الست خولة«، بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. وهذا المزار الذي عملت الجمهورية الإيرانية الإسلامية على تحسينه وبناء مسجد ومآذن حوله، بات مزاراً لكثيرين من أبناء المنطقة ومن خارجها، للتبرك والصلاة، وللنذور، وتنظم فيه الإحتفالات الدينية الشيعية، وخصوصاً في «أيام عاشوراء«. ويقول المؤرخ البعلبكي الراحل ميخائيل ألوف في كتابه «تاريخ بعلبك«: '' (...) وللشيعة أيضاً على مدخل المدينة مقابل لوكندة عربيد، مسجد للسيدة خولة بنت الحسين بن علي أبي طالب... وقد قيل أنه لما سبي أهل البيت بعد موقعة كربلاء وأرسلوا إلى دمشق، ماتت خولة وهي طفلة في بعلبك ودفنت فيها«.

 جامع رأس الإمام الحسينك: يعرف بالمسجد المعلّق، نظراً إلى وقوعه وسط نبع رأس العين، وقد أقيم على أنقاض معبد وثني قديم في العام 61 هجري.

وثمة خلافات حول تاريخ هذا المسجد، وهوية بُناته، فمنهم من يرى أن هذا الجامع تابع للأوقاف السنية، وأن تاريخ بنائه يعود إلى أيام «الملك الظاهر بيبرس« عام 677، فيما تؤكد الروايات الأخرى، مستندة إلى رواية «إبن شهر آشوب«، إن جنود الأمويين عندما حملوا رأس الإمام الحسين بعد معركة كربلاء إلى دمشق، مروا في بعلبك، فاستقبلهم سكانها فرحين بقتل الخوارج. وقد أقام الجنود الأمويون في رأس العين طلباً للراحة، لكن السيدة زينب شقيقة الإمام الحسين وبنت الإمام علي بن أبي طالب كشفت الحقيقة لأهل بعلبك، وأخبرتهم أن الجنود يحملون رؤوس القتلى من أهل بيت النبي محمد، فثار أهل المدينة لهذا الأمر، وحاولوا أخذ رؤوس الشهداء من الأمويين، ولما فشلوا عبّروا عن وفائهم ببناء مسجد في الموضع الذي نصبت فيه الرؤوس وسمّوه «مسجد رأس الإمام الحسين«.

 مقام النبي أيلا (أبلح):ن يقوم وسط البلدة التي سميت بإسمه، ويعتبر تحفة مميزة. فبناؤه الخارجي من حجر أحمر، وقبته خضراء، وبلاطه صغير، وأبوابه خشبية ضخمة، وزجاجه ملون. كذلك فيه بلاط من الغرانيت الأحمر والمرمر الأسود، ويقصد هذا المزار ألوف الزوار من مختلف المناطق مسيحيين ومسلمين.

 مزار الست شعوانة (عميق - البقاع الغربي):ت وله أهميته لدى عدد كبير من اللبنانيين ومن الطوائف المختلفة يقصدونه لإيفاء النذور والصلوات.

إضافة إلى ما ذكر من مزارات، ثمة مقامات وقبب لأولياء وقديسين وصالحين، توزعت في قرى بقاعية عدة: شعت - ريحا، حيث «مقام النبي اسماعيل« الذي تمّ ترميمه، «النبي سباط« القائم في الصخر في مرتفعات بعلبك الشرقية الجنوبية، وقبب عدة كقبة «الأمجد بهرام شاه، والشيخ عبدالله اليونيني، وقبة السعدين«... ومغاور لها طابع القداسة في مناطق عدة، حتى غدا لكل قرية وليّها، أو قديسها، أو شفيعها أو مزارها.

وتبقى المزارات المكان الذي يطمئن إليه الناس، ويشعرهم بقربهم من الله، وسط هذه الأجواء الضاغطة، وتبقى المزارات منتديات للوحدة الوطنية لأنها في معظمها، باتت مقصداً لجميع المؤمنين من الطوائف اللبنانية المختلفة، وحتى من دول عدة. إنها مزارات أممية لأن الأديان وجدت لخدمة الإنسان في كل زمان ومكان، فهل من يتّعظ؟